مغامرات بين الأرض والسماء: وجه آخر للبنان

 

من أعماق البحر إلى قمم الجبال، يفتح لبنان ذراعيه لعشاق المغامرة والباحثين عن تجارب استثنائية. في هذا المحور، نرافق الغطّاسين إلى كهوف البحر الغامضة، ونحلّق مع محبّي الطيران الشراعي، ونتسلّق الجبال في مسارات تختبر حدود الإرادة.

مغامرات بين الأرض والسماء
وجه آخر للبنان

من أعماق البحر إلى قمم الجبال، يفتح لبنان ذراعيه لعشاق المغامرة والباحثين عن تجارب استثنائية. في هذا المحور، نرافق الغطّاسين إلى كهوف البحر الغامضة، ونحلّق مع محبّي الطيران الشراعي، ونتسلّق الجبال في مسارات تختبر حدود الإرادة.

نغوص في عالم التجذيف في أنهاره، وننصت لنبض الكون في ليالي النجوم، حيث تتحوّل السماء إلى مسرح فلكيّ ساحر. أما عشّاق الاسترخاء والعودة إلى الذات، فبين يديهم خيارات واسعة من "سياحة العافية".

إنه لبنان كما لم تروه من قبل: مساحة حرة للاندفاع، وللتحليق، ولإعادة اكتشاف الذات.

في قلب الأزرق

غوص في بحر صور يكشف أسراراً دفينة

في صباح مشمس من شهر تموز/يوليو
كنّا على موعد مع مغامرة غير اعتيادية في مدينة صور الجنوبية حيث لا تنتهي الحكايات عند أطلالها التاريخية، بل تبدأ من هناك… وتمتدّ إلى الأعماق.

على رصيف الميناء، التقينا مدرّب الغوص يوسف الجندي الذي رافقنا في رحلة بحرية نحو عالمٍ خفيّ، يختبئ تحت سطح البحر، ويختزن بين طيّاته أسراراً لا تقلّ قيمة عن آثار المدينة فوق اليابسة.

بحر صور مش متل غيره"، يقول الجندي، وهو يجهّز معدّاته بثقة العارف: "فيه الآبار الكبريتية، النادرة الوجود، وآبار مياه عذبة، وحتى مدينة غارقة كاملة… مشهدها يجعلك تعيد تعريف الجمال".

ركبنا القارب وانطلقنا، وعلى طول الرحلة البحرية، كان يوسف يحدّثنا عن كنوز صور البيئية، من سلاحف البحر المهدّدة بالانقراض والتي تعود كلّ عام لتضع بيوضها في محميّة الرمال، إلى الشعاب المرجانية والتنوّع البيولوجي الغنيّ.

صحيح أنّ رحلتنا اقتصرت على تجربة الغوص الكلاسيكي، لكن الزوّار والسيّاح يمكنهم أيضاً أن يمارسوا السنوركلينغ لمشاهدة المدينة الغارقة من فوق، أو السكوبا دايفينغ لاختبار الغوص الكامل، أو حتى التراي سكوبا للمبتدئين لخوض مغامرة لا تُنسى.

بينما تستعدّ لارتداء معدّات الغوص، تتمكن من رؤية قاع البحر بوضوح من سطح القارب، على عمق يزيد عن 6 أمتار، بفضل صفاء المياه ونقائها المدهش.

قبل النزول إلى الأعماق، يقدّم لك الجندي بعض الإرشادات الخاصة بالسلامة. كانت المرة الأولى التي أمارس فيها الغطس في حياتي، ومع ذلك لم تكن التجربة صعبة كما توقّعت، بل رائعة تماماً.

بعد 40 دقيقة من الاستكشاف ورؤية السلاحف، والقناديل، والأسماك المختلفة، ومنازلها البحرية، حان وقت العودة إلى سطح الماء، ومنه إلى اليابسة.

في طريق العودة إلى الميناء، يقول يوسف: "في المرّة المقبلة، سآخدكم إلى منطقة البياضة. هناك يقف القارب وسط البحر، يسبح الناس، وبعضهم الآخر يسترخون أو يتناولون الغداء على  متن القارب".

ويروي لنا قصّة عالم آثار برازيلي زار صور وقال له بعد الجولة: "كنت أظن أن البرازيل تملك آثاراً بحرية مذهلة… لكن ما رأيته هنا فاق كل توقعاتي".

ضحك الجندي وقال له مازحاً: "هل ترى هذه السلحفاة؟ هي تسبح فوق الطريق القديمة… الطريق التي كان يمرّ منها حيرام، ملك صور، بعربته".

ويؤكد الجندي أن جمال بحر لبنان لا يقتصر على مدينة صور فقط، بل هو تراث ممتدّ من الشمال إلى الجنوب.

هذه التجربة ليست مجرّد غوص، بل رحلة داخل هويّة لبنان البحرية، التي لا تزال مجهولة لدى كثيرين.

من حلم الطفولة إلى الواقع

حلّقت كالعصفور فوق لبنان!

فوق الغيوم، مثل طير تكسّرت كل حواجزه... هكذا شعرت عندما خضت تجربة الطيران الشراعي للمرة الأولى، من أعالي حريصا إلى جونية. مشهد لا يُنسى، وشعور لا يُوصف. خمس عشرة دقيقة في السماء، بدت وكأنها فصلٌ كامل من الطفولة تحقق، من حلمٍ كنا نردّده صغاراً: "ليتنا نطير مثل العصافير"، إلى واقع نابض ومتاح من قلب لبنان.

تبدأ الرحلة بخطوات بسيطة لكنها ضرورية. أولًا، تلتقي المدرّب وتخضع لشرح سريع عن مراحل الإقلاع، التحليق، والهبوط. ثم ترتدي العدة الخاصة بالطيران الشراعي، والتي تتضمن خوذة واقية، حزام أمان، وكرسي معلّق مرتبط بجناح القماش (البارابات). يتم التأكد من ربط كل الأحزمة بإحكام، وإجراء فحص نهائي للتجهيزات قبل الانطلاق.

نقطة الإقلاع كانت من منطقة حريصا، على ارتفاع 700 متر فوق سطح البحر, حيث استقبلني رجا سعادة، مؤسس أول نادٍ للطيران الشراعي في لبنان، والذي بدأ رحلته مع هذه الرياضة منذ التسعينيات، عندما كانت مغامرة نادرة، قبل أن تتحوّل اليوم إلى واحدة من أكثر التجارب السياحية جذباً في لبنان.

سألت سعادة عن الخوف، عن أولئك الذين يهابون الطيران، فأجابني بابتسامة: "الخوف طبيعي، لكن الغريب هو من لايخاف أبداً. الخوف عادة يذهب مع أول إقلاع، الطيران الشراعي آمن، وإذا الشخص جاهز، يعيش واحدة من أجمل لحظات حياته".

أما الهبوط، فكان سلساً على أرض مخصصة بجانب الشاطئ، وليس مباشرة على الرمال. لحظة عودة هادئة، ختمت تجربة لا تُشبه شيئاً آخر.

الطيران الشراعي في جونية ليس مجرد نشاط سياحي، بل هو دعوة إلى التحرر، ولتحقيق حلمٍ كان يبدو مستحيلاً... وصار اليوم في متناول اليد

يقول رجا: "بدأناها كتجربة رياضية، واليوم صارت وجهة سياحية بامتياز. يأتي ناس من كل لبنان ومن الخارج ليجربوا التحليق في هذا الخط الساحر من الجبل للبحر". ويضيف بحماسة: " في فلايت واحد ترى الغابة، المدينة، والبحر... مزيج بصري يجعل كل رحلة تجربة ملوّنة لا تتكرر".

 

وبالفعل، أثناء تحليقي، مررنا فوق غابة حريصا، تسلّلنا بين الغيوم، ولمعت تحتنا مياه البحر، واختلط الأخضر بالأزرق على مرمى النظر. كل شيء كان واضحاً، قريباً، ومبهراً... لا ضجيج سوى صوت الرياح، ولا شعور سوى حرية مطلقة، وفرح داخلي يصعب وصفه.

مغامرة لا تنسى في نهر العاصي
عندما تهدر المياه وتعلو صرخة "GO"

على وقع هدير المياه وصرخات الحماسة، تنطلق القوارب المطاطية في مجرى نهر العاصي في البقاع الشمالي، حاملة معها مغامرة لا تنسى لهواة التجديف وطلاب التجديد. إنها تجربة "الرافتينغ"، واحدة من أمتع النشاطات السياحية التي بدأت تستعيد ألقها في لبنان.



تبدأ الرحلة على ضفاف نهر العاصي في الهرمل، حيث يمهّد صوت الماء المتدفق لمغامرة مائية لا تشبه سواها، تجمعنا في نقطة الانطلاق، قبعاتنا محكمة، سترات النجاة مربوطة، والعدّ التنازلي بدأ. دقائق ويأخذ القارب مكانه على سطح الماء، وقلب كلّ مشارك يخفق، لا خوفاً بل حماسة لما ينتظره من مغامرة.

يأخذك النهر في مسارٍ تتعدد فيه المزاجات، وكأن الماء يمتلك شخصيته. في لحظات، يكون هادئاً كصلاة فجر بين الأشجار والصخور، فتسمع أنفاس الطبيعة وتتأمل انعكاس الجبال على سطحه. ثم، ومن دون إنذار، ينقلب المشهد: يعلو الماء، ويزداد التيار، وتُستدعى القوة والتركيز بين المجدفين. 

في تلك اللحظات بالذات، يعلو صوت القائد: "Go! Go!" الكلمة التي لا تنفك تردد، تصبح نبض القارب، وصوت الأمان وسط الجنون المائي. يتسابق المجدفون مع الموج، يتمايل القارب، ترتفع الصرخات، ويذوب الخوف في ضحكات جماعية تشهد على تحدٍ مشترك.


الرحلة ليست فقط مغامرة رياضية، بل دعوة مفتوحة إلى التعرف إلى جمال الطبيعة الهرملية من منظور مختلف. الجبال التي تحضن مجرى النهر، الطيور التي تحلق فوقنا، والرذاذ الذي يغمر الوجوه كلها تفاصيل تنسج ذاكرة لن تُنسى

الرافتينغ
يحرّك العجلة

أحد أصحاب المقاهي والنوادي النهرية على ضفاف نهر العاصي محمد محفوظ قال لـ " النهار": "الرافتينغ يحرك الحركة الاقتصادية على نهر العاصي والمطاعم. تقريباً 90 إلى 95 في المئة من عملنا اليوم يعتمد على النشاطات السياحية، وعلى رأسها الرافتينغ. عندنا مقاه ونواد  تقدّم نشاطات متنوعة، مثل الـ Zip Line، وحتى الفروسية، وكلها تؤثر بشكل إيجابي".
وأضاف: "الحمد لله منطقتنا آمنة، لا مشاكل ولا حرب، وكل الإشاعات التي تطلق  من وقت إلى آخر غير صحيحة، ووسائل الإعلام تظهر الحقيقة". 

يصف تجربة الرافتينغ بأنها "لعبة مائية حماسية تجعل الزوار يختبرون مراحل عدة: من التجديف بين الأشجار، إلى مرور الشلالات، إلى مناطق السباحة، كل نادٍ بيقدم تجربة مختلفة بحسب قدرته وخدماته، لكن الجو العام بيبقى رائعاً والتجربة لا تنتسى".

رحلة الرافتينغ في لبنان ليست مغامرة فقط، بل فرصة للهروب من ضغوط المدينة، ولعناق النهر كما لم تفعل من قبل. إنها تجربة تعاش بالقلب والضحك والماء.

هي دعوة مفتوحة لعشاق الحياة، فهل تجرؤ على خوضها؟

حبيب النجوم

وكأن بي أرى القمر لأول مرة في حياتي؛ كما لو أنه لم يسبق لي أن شاهدت ما شاهدت.

الساعة تشير إلى قرابة التاسعة ليلاً. سيارة والدي تعبر بنا الطرق الجبلية الملتوية على ارتفاع ١٠٥٠ متراً عن سطح البحر. لم أكن قد تخطيت بعد العشر سنوات، وأخوتي الأصغر سناً غفوا بجانبي في المقعد الخلفي.

بقيت مستيقظاً انتظر الوصول إلى المنزل. أذكر من تلك الليلة صورة بقيت مطبوعة في داخلي. يومها كان القمر مكتملاً مطلاً من خلف جبل الباروك، بدا واهراً، كبيراً قريباً كما لو أنه مصباح ضخم معلق على سفح الجبل… صورة ترسخت في مخيلة صغيرة تكتشف للتو الطبيعة. سألت أمي عنه ربطاً بأغنية السيدة فيروز: نحنا والقمر جيران. لم أنم باكراً يومها. وصلت إللى المنزل ومباشرة صعدت إلى السطح أراقب. أستمتع كطفل تلقى لتوه هديته المفضلة… بصورة مفاجئة.

في الليلة التالية حاولت تكرار التجربة. القمر لم يظهر بعد. السماء حالكة. نجوم تموز/ يوليو تلمع كقطع ألماس براقة. الشهب تجتاز السماء بين الحين والآخر… وشعور الشغف بعرض النجوم الليلي يرافقني ليومنا هذا بعد أكثر من ثلاثين عاماً.

كانت تلك بداية القصة.

مضت الأيام، كبرت واكشفت لبنان بعيون أبنائه وسياحه. بلد الشواطئ الفاخرة والحياة الليلية المبهرة. البحر والجبل والتاريخ والتراث. كل هذا حاضر لكن “فضائل” لبنان كثيرة لمحبي الطبيعة وأنا منهم. فضائل تستمر إلى ما بعد انطفاء أنوار الحفلات والسهر، فيحصل اللبنانيون ليلاً، لا سيما أبناء الجبال، حيث السماء صافية والتلوث الضوئي أقل من المدن، على كل ما يريدونه من السماء. هذا ليس غريباً، بل جزء رئيس من تراثهم الشرق أوسطي؛ فهذه المنطقة المنكوبة بالحروب اليوم كانت ذات يوم رائدة عالمياً في علم الفلك. منذ قرون مضت، اعتمد عرب المنطقة على علم الفلك في الملاحة بالإضافة إلى جدولة التقاليد الإسلامية. واليوم يمكن العثور على إرثهم في أسماء ما لا يقل عن 210 من النجوم الأكثر شيوعاً، وهي مشتقة من الجذور العربية.

 

…الزيادة السكانية والزحف العمراني اللاحق أسهما برفع التلوث الضوئي إلى مستويات كبيرة، مع ذلك، بقيت هناك أماكن في لبنان تستضيف عشاق النجوم والعروض السماوية الخلابة، بخاصة لأولئك الذين يعرفون أين ينظرون وكيف.

 

شخصياً، ومع السنوات، طورت شغفي بعالم النجوم. أهديت نفسي أول تلسكوب للمبتدئين وكنت بعد في سن صغيرة، قبل أن أذهب بعيداً بشراء ما هو أكثر تطوراً مترافقاً مع إطلاع ومتابعة للظواهر الفلكية، فالتقطت مجموعة من الصور كانت تنشرها نقلاً عني مؤسسات ٌإعلامية دولية كبرى. استفدت ما أمكن من التعرف إلى مجموعات تشاركني الهواية هذه، وتتنقل على قمم الجبال حيث “الرؤية” خلابة صافية.

أماكن كثيرة في الجبال اللبنانية تستقطب رواد هذا العالم الفضائي المثير. بحث بسيط على الانترنت كفيل بتبيانها جميعاً، بينها كفردبيان، اللقلوق، الشوف والقرنة السوداء. هذه الأخيرة كأعلى نقطة في الشرق الاوسط، تتيح على ارتفاع 3,088 متراً عن سطح البحر رؤية لا تخيب مطلقاً آمال أي حبيب للنجوم. هنا يمكن للغيوم أن تحيط فجأةً بالفلكيين في ضباب كثيف وتتركهم غارقين بالبرودة حتى بعد أن تتبدد.

للقصة بقية. كل محب لعالم الفضاء يتعلم كيف يبقى تلميذاً إلى الأبد. لبنان حبيب النجوم… وعلى أرضه شغف كبير بعالم شاسع مليء بالإثارة.

مغامرة عالمية بين
صخور تنورين

مركز التسلق الذي وضع لبنان على خريطة الرياضات الجبلية

في قلب جبال تنورين المهيبة، حيث تنساب مدرّجات الزيتون والتفاح على سفوح خضراء تحتضنها الطبيعة الصامتة، نشأت مغامرة فريدة حوّلت هذه القرية الهادئة في قضاء البترون إلى وجهة دولية لعشّاق التسلق والمغامرة.

 لم تعد تنورين مجرّد محطة محلية أو بلدة جبلية تقليدية، بل أصبحت بفضل جهود مستمرة واستثمار رؤيوي، مركزاً معتمداً لرياضة التسلق في الشرق الأوسط، ومعلماً سياحياً يتقاطع فيه شغف الرياضة مع روح الطبيعة.

 

في عام 2012، أطلق مشروع طموح بالشراكة بين بلدية تنورين، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ومنظمة RAD، بهدف تحويل الموقع الطبيعي إلى مساحة مؤهلة لرياضة التسلق وفق المعايير العالمية. وقد نتج عن هذا المشروع تجهيز 144 مساراً صخرياً في مرحلته الأولى، قبل أن يتوسّع لاحقاً ليشمل 180 مساراً تغطي مستويات متنوّعة تلائم المتسلقين من مختلف الأعمار والقدرات.

وفي حديث خاص لـ"النهار"، تصف ريتا بكاسيني، الناشطة البيئية ومديرة مشروع تطوير رياضة التسلق الصخري- تنورين، هذا التحوّل قائلة: "تنورين لم تعد فقط مكاناً للتسلّق، بل أصبحت مساحة تلتقي فيها الرياضة مع البيئة ومع تاريخ المنطقة ونقطة جذب للمتسلقين من حول العالم والمقصد الأول في الشرق الأوسط لعشاق رياضة التسلق، فكل مسار صخري هنا يحمل في طيّاته تجربة إنسانية عميقة، ويعكس هوية هذه الأرض."

ويمتد سحر تنورين إلى ما هو أبعد من الرياضة، فالمكان يقدّم تجربة سياحية متكاملة. على ضفاف نهر الجوز، تنتشر المطاعم والمقاهي الريفية التي تقدّم مأكولات تقليدية وسط مشهد طبيعي يأسر الأبصار. أما المغامرون، فتشدّهم الجدران الصخرية الشاهقة التي تدعوهم إلى اختبار قدراتهم وخوض تجربة لا تُنسى.

وتؤكد بكاسيني: "هذا المركز أصبح جزءاً من نسيج تنورين الاجتماعي والاقتصادي. السياحة المرتبطة بالتسلّق تعزّز اقتصاد البلدة، وتوفّر فرصاً لسكانها، وتعيد ربط الإنسان بالأرض بطريقة أصيلة وملهمة."

وتضيف قائلة: "من أبرز المعالم التي تستقطب المتسلّقين جرف "شير الريباز"، أحد أقدم وأهم مواقع التسلّق في لبنان. يتميّز هذا الجرف بتضاريسه المتنوّعة، ومساراته المتعدّدة الأطوال (Multipitch)، ومنحدراته الحادة التي تمنح المغامرين مشهداً بانورامياً مدهشاً عند بلوغ القمم. وقد جرى تطوير هذا الموقع في تسعينيات القرن الماضي من خلال تدريبات مشتركة بين الجيش اللبناني والجيش الفرنسي".

الوصول إلى هذا الجرف يتطلّب المرور بطريق ترابي، ثم مسار مشي يستغرق نحو نصف ساعة للوصول إلى القطاعات الصخرية، حيث تتوالى المسارات بانسيابية مدروسة تعكس تنوّع الجيولوجيا المحلية.

الـWellness tourism

سياحة عزّزتها طبيعة لبنان وطاقته

مع زيادة الوعي حيال الحفاظ على الصحة النفسية والذهنية، يشهد لبنان انتشاراً واسعاً للمراكز الصحّية أو الـwellness centers، التي تُقدّم خدمات صحية-روحية. ونتيجة النشاطات المميّزة هذه، ولا سيما التي تُمارس في طبيعة لبنان الخلابة، باتت هذه التجارب أو الـRetreats، جزءاً من السياحة في لبنان، باسم Wellness tourism.

 

لبنان ملاذٌ رائع للسياحة الروحية، كما يسمّيها ألفونس عاد، صاحب أحد المراكز الصحّية في سرجبال قضاء الشوف. ويؤكد في حديثه لـ"النهار" أنّ هذا النوع من السياحة يروَّج عالمياً ومحلياً وقد قصدنا سيّاحاً عرباً من دبي والأردن ومصر والبحرين والهند، جاؤوا خصّيصاً لخوض هذه التجارب، ويقصدون مركزنا مرّتين في السنة. حتى إنّ مقدّمي الرعاية هم مدرّبون مختصّون من روسيا وأستراليا والبرازيل.

 

إلى جانب طبيعته الجميلة والمتنوّعة، عامل أساسي يميّز لبنان عن باقي الدول في ما يتعلق بالـwellness tourism، هو الطاقة الموجودة فيه، فأرضه مقدّسة مرّ بها قدّيسون وأنبياء، وهو بقعة يفوق عمرها آلاف السنين، لذلك فإنّه يتحلّى بطاقة خارقة لا يمكن أن نشعر بها في أماكن أخرى. ورغم أنّ هناك مراكز عديدة ومتنوّعة تنتشر في دول أخرى، يفضّل أبناء هذه البلدان أن يأتوا إلى لبنان، وهذه قيمته المضافة في هذا الإطار. ولا ننسى مأكولاته الطبيعية المزروعة في أرضه بحيث بات الغذاء الصحّي جزءاً لا يتجزّأ من الـwellness ومن صحة الإنسان. كذلك، الضيافة والاستقبال في لبنان في جميع القطاعات وأنواع السياحة تجعل من لبنان سبّاقاً على هذا المستوى.

 

ما الخدمات التي يحظى بها السائح في الـwellness centers؟

هذه المراكز تنتشر في المدن وفي الجبال، وتتنوّع بالتالي خدماتها وفقاً للنشاطات التي يمكن القيام بها في أماكن مغلقة أو مفتوحة. وبما أنّ المركز الذي يملكه عاد مفتوح، ذلك يخوّله تقديم جميع هذه الخدمات، ونبدأ بالـOne on one session وهي جلسة تشرح للشخص الهدف الأسمى من حياته وهي الخطوة الأولى قبل الغوص في التجارب الأخرى. وهنا تبدأ النشاطات الأخرى وقد تكون النشاطات عامة أو متخصّصة تتناسب مع حالة كلّ شخص. ولا بدّ من البدء بتمارين التنفس Breath work مع مختصّ موثوق للتخلص من القلق والتوتر والغضب الداخلي والصدمات، ويشعر بعدها الشخص بأنّه أفرغ كل شحناته السلبية ووُلد من جديد.

يلي هذا التمرين نوع من التدليك يُسمّى Deep tissue massage، يفكك جميع العقد العضلية التي يخزنها الجسم. زد على ذلك التأمّل، اليوغا، المشي في الطبيعة (hiking)، حمّام الثلج المزيل للتوتر، احتفالية التماسكال المكسيكية وهي ممارسة جسدية تجعل الجسم يخرج كل السموم من داخله. وتذهب رحلة الـwellness أو ما يُعرف بالـwellness retreat، من يوم كامل إلى ثلاثة، خمسة أيام، حتى أسبوع.

وتعالج هذه الجلسات مشاكل مثل القلق، الاكتئاب. والأشخاص المدمنون على الحبوب المضادة للقلق استطاعوا أن يتخلّصوا منها بهذه النشاطات والممارسات الطبيعية حصراً.