
وزيرة السياحة لـ"النهار": إجراءات متكاملة
لتحسين تجربة الوافدين من المطار وصولاً إلى الأمن
سلوى بعلبكي
لا تزال محاولات لبنان تمرير موسم الصيف السياحي، واستثماره كما ينبغي، أسيرة المستجدات السياسية والعسكرية، والتهديد المستمر بعودة الحديد والنار في أي وقت.
بيد أن إصرار المعنيين في وزارة السياحة والقطاع عموماً، ومثابرتهم على الإيمان بضرورة إعداد مختلف عناصر إنجاح الموسم السياحي، إعداداً يليق بالسائح والمغترب على حد سواء، عزّزا آمال المراهنين على الحركة السياحية، لرفد الخزينة والاقتصاد بنمو معتبر، افتقداه لسنوات.


المعلومات التي تحدثت إن شهر تموز/يوليو لم يخسر الكثير من الحجوزات، تسري أيضاً "حتى الآن" على شهر آب/أغسطس، فيما تبقى الأمور مرهونة بنتائج "الكباش" السياسي والعسكري الإقليمي، الذي يكبّل بعض الخطوات والاندفاعات السياحية ويفرمل قليلاً عودة أرقام المغتربين والسياح إلى سابق عهدها.
وقد لفت في إطار الاستعدادات لإنجاح الموسم السياحي، أمران: الأول، دينامية عمل فرق وزارة السياحة، وسعيها إلى إنجاز المطلوب منها بالسرعة والدقة اللازمتين. والثاني، إصرار وزارة السياحة على توسعة مروحة النشاط السياحي، ودعم وصوله إلى مناطق الأطراف البعيدة، وتخفيف مركزية بيروت وجبل لبنان، لإتاحة الفرصة أمام القرى والبلدات اللبنانية، والمناطق البعيدة نسبياً عن العاصمة، والإفادة من الموسم السياحي، والمشاركة في نموه وعائداته.
وفي السياق، يلمس العابرون في مطار بيروت التغييرات والتحسينات على مختلف الخدمات، والأعمال والتجديدات التي لا يزال يتم العمل عليها، لتحسين جودة الخدمة، وتأمين الاطمئنان الأمني للقادمين الذين اختاروا لبنان وجهتهم السياحية هذا الصيف، على رغم التحذيرات والمخاوف التي تشاع.
ما حصل كان ثمرة قرار وتعاون جدي بين وزارات الداخلية والدفاع والأشغال والسياحة، والأجهزة المعنية، أنتج ما يلزم لإبقاء "بترول لبنان" على قيد الحياة قدر الإمكان، ولتمرير الأزمة بأقل خسائر ممكنة، واستمرار وجود لبنان على خريطة السياحة العربية والدولية.
إجراءات
سياحيــة

والتطمين الحقيقي للسياح يتمثل وفق ما تقول "في إبقاء لبنان بمنأى عن الصراعات الإقليمية، وهو أمر يتجاوز صلاحيات وزارة السياحة ويتطلب تضافر جهود الدولة بأكملها"، علماً أن التصعيد الأخير في المنطقة، ولا سيما الحرب بين إسرائيل وإيران، كان مفاجئاً وتجاوز توقعات المحللين، بما أثر سلباً على أسعار النفط والتأمين وشركات الطيران، وانعكس بدوره على القطاع السياحي".
في شرحها عن المهنة تصر طرطوسي على فكرة أن المهنة التي امتهنتها منذ 40 سنة، كانت ولا تزال هواية بكل ما للكلمة من معنى وتقول: "لم يكن لدى والدي شاباً لكي يرث هذه المهنة، فنحن 4 نساء، عادة الذكر هو من يرث المهن اليدوية العائلية، لكني أصررت على تعلمها وشجعت أخواتي الثلاث فأصبحنا فريق عمل متكاملاً".
وبرغم أنه يعمل مع طرطوسي 5 عمال في معملها "الميني"، تصر في الكثير من الأحيان على العمل بيدها، وهذا ما يؤكد أن مهنتها لا تزال مصدر تسلية وإلهام لها.
تؤكد وزيرة السياحة البنانية لورا الخازن لحود لـ"النهار" أنه "على الرغم من التطورات والمخاطر الأمنية، ثمة خطوات أساسية يجب اتخاذها لتحسين تجربة الزوار، سواء كانوا بأعداد قليلة أو كبيرة. لذا نعمل على تحسين التجربة السياحية من لحظة وصول الزائر إلى المطار حتى مغادرته. وقد بدأنا العمل على تحسين المطار باعتباره نقطة الوصول الأولى، عبر تعزيز الإجراءات الأمنية داخله وخارجه وزيادة عدد العناصر الأمنية، والتعجيل في آليات الوصول، وتسليم الأمتعة، وتدعيم فرق الأمن العام، مع الأخذ في الاعتبار معالجة النقص العددي. كذلك يجري التنسيق مع وزارات أخرى من بينها الأشغال، لتحسين البنية التحتية للمطار والطرق. والتعاون قائم أيضاً مع الأمن العام، ومعاهد متخصصة في مجال الضيافة لرفع كفاية عناصر الاستقبال".
هذه الإجراءات مهمة، لكنها غير كافية في رأي لحود، إذ إن "ضمان أمن السائح لا يقتصر على سلامة المطار، بل يشمل الأمن العام في البلاد، ومكافحة السرقات، وتسهيل آلية الحصول على التأشيرات، ولا سيما للزوار من دول الخليج الذين يأتون أحياناً ضمن فرق عمل، ولهم ممتلكات في لبنان".
أسعار الـــخدمات؟
ليس خافياً أن ثمة شكاوى من ارتفاع أسعار الخدمات السياحية، ويصل الأمر في بعض المؤسسات إلى تسعير الفاتورة وفقا لجنسية الزائر. ولكن لحود التي تعتبر أن لبنان يعتمد نظام السوق الحرة، على تواصل مع النقابات السياحية لضمان الشفافية، ومنع التمييز في التسعير بين السياح، وذلك التزاما للقانون الذي ينص على ضرورة إعلان الأسعار بوضوح.
توازياً أعادت الوزارة تفعيل الخط الساخن (1753) لتمكين أي سائح أو مواطن من تقديم شكوى في حق أي مؤسسة سياحية تخالف القانون أو تسيء إلى صورة لبنان السياحية، ويتم تحويل هذه الشكاوى للشرطة السياحية لمتابعتها.
لبنان وجهة سياحية متكاملة
انطلاقاً من إيمانها بأن لبنان وجهة سياحية متكاملة، تركز لحود على التعاون مع المبادرات السياحية المحلية في كل المناطق، "إذ لا نرغب في حصر السياحة في مناطق معينة فقط، وخصوصاً المدن الكبرى. فانتشار السياحة في مختلف المناطق على مدار السنة ينعكس إيجابا على الدورة الاقتصادية المحلية".
الى ذلك، ولاكتمال المشهد السياحي، يعكف المعنيون في الوسط التجاري على إعادة تفعيله من خلال تشجيع المحال والمطاعم على إعادة افتتاحها، وتساعدهم وزارة السياحة، التي تعمل وفق ما تؤكد لحود على إزالة العراقيل الإدارية، ولا سيما تلك المرتبطة بتحويل وجهة استخدام العقارات من تجارية إلى سياحية، معتبرة أن "قرار افتتاح المطاعم في الوسط التجاري أو تأجيله يعود إلى المستثمرين أنفسهم، وهو خارج صلاحية الوزارة. أما في شأن التراخيص الجديدة، فتسعى الوزارة إلى تبسيط المسار الإداري إلى أقصى حد ممكن".

وجوه في حضن الســوق العـتيقة مع ملكة جمال لبنان
نــدى كوسا: وطني لا يشبه سواه
إسراء حسن

وتكمل: "يتميّز لبنان بأنّه يقدّم لك كلّ شيء في مكان واحد: بحر وجبل، تاريخ وطبيعة، دفء الناس وكرمهم. ولهذا السبب أدعو الجميع دائماً لزيارته. لبنان ليس فقط ما يسمعونه عنه في الأخبار، هو أيضاً بلد الفرح، بلد الشفاء النفسي".
ندى، التي تخصّصت في علم النفس، ترى أن الراحة النفسية تبدأ حين يتمكّن الإنسان من التواصل مع محيطه ومع الطبيعة. وهي تجد في عكّار، مسقط رأسها، المكان الأمثل لإعادة شحن طاقتها، وتقول: "هناك في عكار أشعر بأن كلّ شيء بسيط وصادق: الناس، البيوت، الهواء. لكن الجميل في لبنان أن هذا الإحساس يمكن أن تجده أينما ذهبت".
عن علاقتها بالموسيقى التي تجسّد هوية لبنان، تقول ندى: "أحب أغنية 'لبيروت' للسيدة فيروز. ربما يعتبرها البعض خياراً تقليدياً، لكنها تلخّص مشاعري تجاه هذه المدينة بكل ما فيها من جمال ووجع".
في زوايا السوق العتيقة في بلدة زوق مكايل الكسروانية، بين حجارة تختزن ذاكرة الزمن وعطر الخشب والحرف اليدوية والتراثية، اختارت ملكة جمال لبنان لعام 2024 ندى كوسا أن تلتقي بنا، في مكان تعتبره جزءاً من ذاكرتها الشخصية وحبّها العميق لوطنها.
لمست في شخصية ندى طيبة لبنان واحتضانه، فهي تجمع بين الابتسامة والترحاب وذكاءٍ يدرك أن الجمال وحده لا يكفي، بل إنّ الجوهر الإنساني الأصيل هو ما يجعلها تشبه وطنها في تنوّعه وغناه.
ندى، القادمة من بلدة رحبة العكارية، تحمل في لهجتها دفء الشمال وفي عينيها حبّاً صادقاً للبنان، ذاك الحبّ الذي حاولت مراراً أن تترجمه للعالم خلال مشاركتها في مسابقات الجمال العالمية. تقول بثقة وهي تجول بين المحالّ القديمة: "أول صورة تخطر في بالي عندما يذكر اسم لبنان هي صورة المزيج الذي نتميّز به: البحر والجبل، الانفتاح والتقاليد، وهذا ما يجعل هذا البلد متفرّداً".
اليوم الذي أمضيناه مع ندى كان بسيطاً وعفوياً: هواء نقيّ، حرارة شمس صيفيّة. خطواتها كانت مألوفة في السوق العتيقة التي تربطها بها علاقة قديمة. تستعيد بحنين أصوات الضحكات والموسيقى التقليدية وأيام المهرجانات الصيفية، والأنشطة التي كانت تجمع الناس من كلّ حدب وصوب في هذا المكان العابق بروح لبنان الأصيلة.
وتضيف: "كلّ زاوية هنا تحمل ذكرى. لطالما حضرت المهرجانات مع عائلتي وأصدقائي. أعتقد أن الإنسان يحتاج دائماً إلى فسحة من التغيير، أن يتعرّف إلى أماكن جديدة أو يعيد اكتشاف الأماكن التي أحبّها في طفولته".
وفي لحظة طريفة تتذكّرها من مشاركتها في مسابقة ملكة جمال الكون، تروي: "كانت المشتركات من دول مختلفة يتعلّمن مني كلمات لبنانية بسيطة مثل 'حبيبي' و'يلا'. في إحدى اللحظات النهائية على المسرح، لم يتمكّنّ من التعبير سوى بكلمة 'يلا'، وهذا الموقف جعلني أضحك من القلب. الهويّة ليست فقط كلمات أو زيّاً فولكلورياً، بل هي قصّة شعب".
ندى أيضاً تعشق ربيع لبنان، وتقول بابتسامة: "الربيع هو فصلي المفضّل. أشعر بأن الطبيعة كلها تحتفل. الألوان، الطقس، طاقة الناس... كل شيء يصبح أجمل".
أما طعامها اللبناني المفضّل فتقول من دون تردد: "أعشق ورق العنب أو ورق العريش المحشي. حتى في مسابقة ملكة جمال الكون لم أتمالك نفسي حين قدّموه في أحد البوفيهات. وضعت كل ورق العنب في طبقي وعدتُ فخورة. حتى إن المشتركة اليونانية دخلت في نقاش معي حول أصل الطبق!".
وتضحك بابتسامة تعكس التمسّك بالمطبخ اللبناني: "لم نختلف في النهاية... توصّلنا بعد بحث عبر الإنترنت إلى أنّ الطبق ينتمي إلى المطبخ الشرق أوسطي". طابع لبناني يتّسم بالتمسّك العميق بالهوية والتراث عندما يدور النقاش حول الأصالة والجذور.
روينا عطشنا بمشروب لبناني أعدّ لنا، تغلّب على الجوّ الحارّ، فختمنا اللقاء بحبّ لبنان. تقول ندى كوسا: "أتمنّى للبنان الاستقرار. أتمنّى أن يرتاح الشعب اللبناني نفسياً وأن يؤمن بقدراته. لبنان يستحق أن يُرى كما هو فعلاً: وطن الحياة والفرح، وطن لا يشبه سواه".
ولعلّ السوق العتيقة، بشمسها ونسيمها، كانت خير شاهدة على يوم بسيط ولكنه مليء بالمعنى مع ملكة هي اليوم، لكنها في الواقع شابّة لبنانية تحمل حبّ وطنها أينما ذهبت.


لبنان...
العالم في بلد واحد
فاطمة عباني

تذكرة إلى لبنان تعني زيارة عدة بلدان دفعة واحدة.
لُقّب لبنان بـ"سويسرا الشرق" لأسباب منها نظامه المصرفي القوي وسرّيته شبه السويسرية التي جذبت رؤوس الأموال في منتصف القرن الماضي، وحياده السياسي النسبي الذي استقطب المفكرين والمعارضين، فضلاً عن جباله المغطاة بالثلج التي تنافس قمم الألب السويسرية في مناطق مثل فاريا وبشري والأرز.
رغم تغيّر الظروف، يبقى سحر لبنان ثابتاً. فلا تزال مناطقه تمنحك إحساس السفر إلى الخارج من دون الحاجة إلى عبور الحدود. في الآتي أمثلة بارزة:

أنفة - سانتوريني
تقع هذه القرية الساحلية في شمال لبنان، وتشبه إلى حد كبير جزيرة سانتوريني اليونانية من حيث الطابع البصري العام. تتميّز منازلها باللون الأبيض وبأبوابها ونوافذها الزرقاء، وتطل مباشرة على البحر ذي المياه الفيروزية والصخور الطبيعية. تتميّز أجواؤها بالهدوء، وتضم مقاهيَ ومراكبَ صيد، مع مشهد غروب يخطف الأنظار.
جبيل - دوبروفنيك
تشترك جبيل اللبنانية مع مدينة دوبروفنيك الكرواتية في الطابع التاريخي والمعماري والموقع البحري. تحيط بهما أسوار قديمة مطلة على البحر، وتضمان مرافئ تاريخية، شوارع مرصوفة بالحجر، ومباني متلاصقة تعكس الطابع المتوسطي. تنتشر فيهما المطاعم والمتاحف والمتاجر الحرفية في إطار بيئة أثرية جذابة.
جونية - ريو دي جنيرو
يكمن وجه الشبه بين المدينتين في الطابع الجغرافي العام، إذ تطلان على خليج واسع تحيط به جبال خضراء. تنتشر المباني فيهما من الساحل صعوداً إلى التلال. في ريو، يعلو تمثال المسيح جبل كوركوفادو، أما في جونية فيرتفع تمثال سيدة لبنان على تلة حريصا، ويضاء المشهد ليلاً بشكل مماثل في المدينتين، ما يخلق صورة بانورامية لافتة تجمع بين الطبيعة والعمران.
بيروت - باريس
تستحضر بيروت، خصوصاً منطقتي الصيفي ووسط البلد، أجواء مدينة باريس من حيث العمارة والثقافة، ما أكسبها لقب "باريس الشرق". تتميز الصيفي بواجهات حجرية وشرفات مزخرفة تشبه أحياء باريس القديمة، بينما يعكس وسط البلد طرازاً كلاسيكياً حديثاً مع شوارع واسعة وساحات تشبه ساحة فوندوم. ويشتركان في ثقافة المقاهي والفنون، ما يعزّز التشابه البصري والاجتماعي بينهما.
صور - رودس
مدينة صور الجنوبية تشبه جزيرة رودس اليونانية من حيث الطابع التاريخي والمرفأ القديم المحاط بآثار رومانية وجدران دفاعية. تضم كلتا المدينتين أزقة ضيّقة ومنازل حجرية متلاصقة، وتعكسان تراثاً معمارياً متوسطياً، مع موقع ساحلي مباشر على البحر الأبيض المتوسط.
بعلبك - روما
تشترك بعلبك مع العاصمة الإيطالية روما في الإرث الروماني الضخم، إذ تضم آثاراً مثل معبدي جوبيتر وباخوس، التي تضاهي في ضخامتها وتفاصيلها معالم مثل الكولوسيوم والبانثيون. تعتبر المدينتان من أبرز المراكز التاريخية التي تمثّل العمارة الدينية والمدنية للإمبراطورية الرومانية.
البترون - ميكونوس
تذكّر مدينة البترون الساحلية بجزيرة ميكونوس اليونانية من حيث النمط المعماري الساحلي، بمنازلها البيضاء البسيطة، والمقاهي المنتشرة على الواجهة البحرية. تحتوي على أزقة ضيقة وحياة صيفية نابضة، بالإضافة إلى مشهد غروب الشمس الذي يترك انطباعاً بصرياً مشابهاً للجزيرة اليونانية. يعزز قرب البيوت من الشاطئ الطابع المتوسطي البحري المشترك.
قد تتقاطع بعض المدن اللبنانية مع نظيراتها حول العالم من حيث الشكل أو الأجواء، لكن يظل لبنان تجربة فريدة لا تشبه إلا نفسها ويظل له سحر لم يستطع سكانه أو زواره فك شيفرته!
وقعت في حبّ كلّ شيء...
قصّة روسية جعلت من لبنان وطنها الثاني
ياسمين الناطور

أخيراً، بدأت أنستازيا بمنصّة اسمها "Vibez With That"، وهي دليل رقمي لمساعدة السيّاح على اكتشاف لبنان ومعرفة الأماكن الرائجة وأين يذهبون وماذا يفعلون خلال زياراتهم.
وذكرت أن علاقتها بلبنان لم تتعزز فقط من خلال الأماكن الجميلة... بل في اللحظات الصعبة. شعرت بأنها أصبحت جزءاً من هذا البلد خلال الثورة، والأزمة الاقتصادية، والانفجار، والحرب. "حين تعيش هذه المحطات الصعبة مع الناس، تفهمهم أكثر، وتتّحد مشاعرك معهم. وتصبح الأوقات الجميلة أغلى، لأنك تعرف قيمة ما مررت به".
عندما زارت الروسية أناستازيا لبنان في صيف عام 2018، لم تتخيّل أن حياتها على وشك أن تتغيّر. شعرت حينها بصدمة حقيقية، لأن لبنان لم يكن يشبه ما كانت تتصوّره ولا يشبه حتى ما سمعت عنه في الخارج. كانت الصورة النمطية التي تروّج في الإعلام بعيدة كل البعد عن الواقع الذي لمسته بنفسها.
"وقعتُ في حبّ كلّ شيء... الناس، نمط الحياة، الطعام، الأماكن. ومنذ تلك اللحظة، عرفت أن لبنان يمكن أن يصبح وطني الثاني وأخذت الخطوة وانتقلت للعيش فيه"، تقول.
لكن ثمّة شيئاً كان يزعجها، الطريقة التي يُنقَل بها لبنان إلى العالم غير منصفة، ومليئة بالصور السلبية. لذلك، قرّرت أن تبدأ صفحة خاصّة لتشارك من خلالها تجربتها ونظرتها الحقيقية إلى هذا البلد. أرادت أن تظهر وجه لبنان الآخر، الجميل، وأن تعرّف الناس إلى طبيعته الساحرة وطيبة شعبه، وإلى المذاق الذي لا يُنسى لأطباقه التي تحبّها من التبّولة، إلى ورق العنب، والكبّة النيّة.
"مكاني المفضّل في لبنان هو وادي البقاع لجماله الطبيعي الخلّاب، وأحبّ أيضاً منطقة البترون، فهي مليئة بالحياة والحيوية. ولا يمكن الحديث عن لبنان من دون ذكر بيروت، المدينة التي تضجّ بالتجارب والأماكن التي تستحق الاستكشاف"، تضيف.
أخيراً، بدأت أنستازيا بمنصّة اسمها "Vibez With That"، وهي دليل رقمي لمساعدة السيّاح على اكتشاف لبنان ومعرفة الأماكن الرائجة وأين يذهبون وماذا يفعلون خلال زياراتهم.
وذكرت أن علاقتها بلبنان لم تتعزز فقط من خلال الأماكن الجميلة... بل في اللحظات الصعبة. شعرت بأنها أصبحت جزءاً من هذا البلد خلال الثورة، والأزمة الاقتصادية، والانفجار، والحرب. "حين تعيش هذه المحطات الصعبة مع الناس، تفهمهم أكثر، وتتّحد مشاعرك معهم. وتصبح الأوقات الجميلة أغلى، لأنك تعرف قيمة ما مررت به".
تقول أناستازيا: "أحياناً أشعر بأن علاقتي بلبنان كانت أشبه بالعلاقة السامّة... لكنها اليوم تحوّلت إلى علاقة متينة، عميقة. وسعادتي لا تُوصف وأنا أرى لبنان يتعافى ويزدهر من جديد. فقد كنت دائماً أؤمن بأن الأيام الحلوة ستأتي.
لبنان غيّرني. شخصيتي تغيّرت. أصبحت أكثر اجتماعية، أكثر حبّاً للحياة. اللبنانيون أشخاص إيجابيون، يحبّون الحياة، يحبّ بعضهم بعضاً، ويحبّون التواصل. وأنا، بفضلهم، أصبحتُ مثلهم".
في جولتنا مع أناستازيا في شارع الجمّيزة، بدا واضحاً كم تعلّقت بهذا المكان. كانت تمشي بثقة من يعرف الزوايا والأبواب والحكايات، تشير إلى الجدران التي صمدت بعد الانفجار، وإلى المقاهي التي استعادت حياتها رغم الألم. تتوقف لتُحيّي صاحب محلّ قديم، وتلتقط صورة لواجهة بيت تراثي تعبق بالحكايات. تقول لنا إن الجمّيزة ليست مجرد شارع، بل مرآة لبيروت نفسها: قوية، نابضة، جميلة رغم الندوب. كان الحيّ يعجّ بالحركة، بروّاده من كلّ الجنسيات، تماماً كما تحبّ أناستازيا أن ترى لبنان... بلداً مفتوحاً، مضيافاً، لا يزال قادراً على النهوض والاحتفال بالحياة.
من مصر إلى لبنان...
رحلة "طرزان" لتوثيق الجمال المخفي
ياسمين الناطور

عمرو، الذي ينقل يومياته عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، يؤكد أن لبنان لا يشبه الصورة النمطية التي تُعرض في وسائل الإعلام، بل هو بلد يختزن الكثير من الجمال، وأحيانًا يحتاج فقط لمن يُعيد اكتشافه.
يقول: "كل يوم أتنقّل من منطقة لأخرى. أرى تنوعاً لا يشبه أي بلد آخر. لبنان ليس فقط بيروت أو المدن الكبرى، بل القرى، الناس، الود، الحفاوة... هذا ما أحاول إظهاره".
كان غزله بلبنان على الطريقة المصرية كافياً لأن يدفعنا للتواصل معه، علّنا نكتشف سرّ هذا الشغف الكبير، وماذا يفعل "عمرو"، المعروف بلقب "طرزان"، في لبنان منذ أكثر من شهرين.
رغم انشغاله الدائم وترحاله المستمر بين المناطق، استجاب لطلبنا بكلّ محبة، من مكانه البعيد عن العاصمة، حيث يمضي وقته في اكتشاف وجه آخر لهذا البلد... لبنان الذي يملك سحرًا خاصاً، ويترك أثره في كل من يزوره.
حرص عمرو، الذي يرى في نقل الصورة الحقيقية عن لبنان جزءا من مسؤوليته كصانع محتوى، على أن يكمل هذه المهمة: أن يُري العالم لبنان كما يراه هو... بعيداً عن الضجيج، أقرب إلى الواقع، وأقرب إلى القلب.
"مرحباً بكم جميعاً، معكم أخوكم عمرو طرزان من الأراضي اللبنانية. تعالوا نكتشف سوياً هذا البلد... تعالوا نكتشف لبنان!"
أكثر سؤال يُطرح عليه هو: "ما أكثر ما أعجبك في لبنان؟ وهذا برأيي من أصعب الأسئلة، لأن كل ما في لبنان يُدهش. طبيعته، تنوعه الجغرافي، قرب البحر من الجبل، اختلاف المناخ من مكان إلى آخر خلال دقائق. إنه بلد متكامل من حيث الطبيعة، والثقافة، وحتى الطعام".
أما عن لقبه "طرزان"، فيوضح بأن اسمه الحقيقي هو عمرو، لكن اللقب أطلقه عليه أصدقاؤه منذ سبع سنوات تقريباً، حين بدأ يقضي وقتاً أطول في الطبيعة، ويبتعد عن حياة المدينة. "منذ ذلك الحين، أصبح اللقب جزءًا مني، لأن حياتي أصبحت بالفعل مرتبطة بالغابات، التخييم، ركوب الخيل، وكل ما هو طبيعي".
ورغم أنه زار لبنان أكثر من مرة، فإن هذه المرة مختلفة، وفق ما يقول.
ففي المرات السابقة، كانت الزيارة محدودة بوقت ومساحة، أما الآن، فهو يحرص على الغوص في تفاصيل الحياة اليومية خارج العاصمة، ويوثقها بعين لا تبحث عن اللقطة الجميلة فقط، بل عن القصة التي تستحق أن تُروى.
زيارته ليست فقط للسياحة، "أؤمن أن من مسؤوليتي كصانع محتوى أن أكون صوتاً مختلفاً، أن أظهر جمال هذا البلد كما هو، لا كما يُقدَّم في العناوين"، وفق قوله.
