بين ضباب جبل "عروبة"، وعطر النباتات البرية في وديان "غزير"، ونبض الطبيعة المحمية في "عميق"، وجه آخر للبنان. وجهٌ بريّ نابض بالحياة. في هذه السلسلة، ندعوكم إلى اكتشاف دروب نادرة لا تسلكها السيارات، بل الأقدام. إلى الانغماس في وادي لامارتين حيث كتب الشعراء، وفي محمية عميق حيث تعود الطيور المهاجرة إلى بيتها، وإلى اكتشاف التنوع البيولوجي النادر في محمية حرج إهدن.
قصص عن الأرض، والماء، والهواء النقي..
هنا تبدأ المغامرة

على درب جبل عروبة أعلى قمم عكار
ثروة بيئية وطبيعية نادرة
"النهار"

أكثر من نصف نباتات لبنان
على أعلى نقطة في عكار، وقف خالد طالب، أحد المرشدين المحليين في عكار، مشيراً إلى المشهد أمامه: جبل المكمل من جهة، وادي جهنم من جهة أخرى، ثم البحر، سوريا، والهرمل.
وقال: "عكار موجودة عند تقاطع جغرافي رائع، وهذا ما أعطاها مناخاً متنوعاً جداً، وجعل منها نقطة ساخنة للتنوع على مستوى لبنان"، مضيفاً: "من أصل حوالى 2700 نوع من النباتات في لبنان، أكثر من نصفها موجود في عكار. وهذا رقم مبني على عمل ميداني حقيقي وليس تخمينًا".
اقتصاد محلي
بعيداً عن عدسات المصورين، ينعكس هذا العمل البيئي أيضاً على المجتمع. فمع كل رحلة تُنظّم، تتحرك عجلة اقتصادية صغيرة: مرشدون يحصلون على دخل، نساء يبعن منتجات محلية، سائقون ينقلون الزوّار، وأصحاب بيوت ضيافة يستقبلونهم.
هذه الدورة الصغيرة، على رغم بساطتها، تشكّل نموذجاً حقيقياً للاقتصاد المحلي المستدام، وتقدّم بديلاً واقعياً عن مشاريع استنزافية أو موسمية لا تعود بالنفع على الناس.
السياحة البيئية في عكار ليست مشروعاً نخبوياً، ولا ترفاً أكاديمياً. هي وسيلة واقعية لبناء علاقة جديدة بين الإنسان والطبيعة، علاقة قائمة على الفهم، والاحترام، والتوازن. ومن هنا أهمية مواجهة التحديات البيئية الخطيرة، كالحرائق والتعديات على الأحراج، وفتح الطرقات العشوائية.
وفي منطقة مثل عكار، حيث الموارد قليلة، والفرص محدودة، تصبح حماية الطبيعة واكتشافها طريقاً للتنمية، وفرصة لخلق مستقبل مختلف.
ربما لن تعنيك أسماء النباتات، ولا تهمك الفروقات بين اللزاب والدفران. لكن حينما تقف على قمة جبل وتشعر بالهواء يصفع وجهك من دون شوائب، وتضع يدك على ورقة نبتة لا تنمو إلا هنا، وتسمع من مرشدك قصة ارتباط الإنسان بهذه الأرض، حينها فقط تدرك أن ما في عكار ليس فقط مشهداً جميلاً... بل وطنٌ آخر، خفي، نقي، يحتاج إلى من يحبّه ويحميه.
في أقصى شمال لبنان، تتربع محافظة عكار على مساحة تبلغ نحو 780 كيلومتراً مربعاً،
تجمع بين البحر والسهل والجبل، وتُعدّ من أغنى المناطق اللبنانية طبيعياً وبيئياً. وتختزن المحافظة ثروة طبيعية فريدة من نوعها، إذ تضم ما يقارب 21,000 هكتار من الغابات والأحراج، وتتوزع فيها النظم البيئية المختلفة من الشواطئ الرطبة إلى القمم الجبلية حتى ارتفاع 2235 متراً.
شاركنا في رحلة علمية على مدى يومين بين بلدتي مشمش على درب عكار الجيولوجي وفنيدق على درب جبل عروبة أعلى قمم عكار (2235 متراً عن سطح البحر)، مع مجموعة من الباحثين والمهتمين بالنباتات، قطعوا خلالها حوالى 20 كيلومتراً بين الجبال والوديان التي تحوّلت إلى مختبر حيّ.
"إذا استطاعت الماعز الصعود، فهذا يعني أنك لم تصل بعد". قالها رامي معلوف، أحد المشاركين، ممازحاً وهو يتسلّق طريقاً وعراً فوق 1900 متر. وأوضح: "لقد شاهدت صوراً كثيرة لطبيعة عكار، لكن المشاهدة في الواقع مختلفة كلياً، أن تجلس هنا بين هذه النباتات وتعرف أن بعضها لا ينمو في أي مكان آخر في العالم، هو شعور لا يُوصف".
وثّق المشاركون خلال هذه الرحلة ما يزيد عن 85 نوعاً من النباتات البرية، بينها 19 نوعاً نادراً ومهدداً بالانقراض معظمها نباتات متوطّنة لا تنمو إلا في لبنان، وبعضها لم يرصد سابقاً في عكار.
التنوع الحقيقي في الجرد
عثمان، مرشد جبلي شاب من فريق جمعية "درب عكار"، لفت إلى مفارقة مهمة: "الناس يظنون أن التنوع الإيكولوجي موجود فقط في الغابات، لكن الواقع أن الجبال الجرداء، خصوصاً تلك التي تبدو خالية من الأشجار، تخبئ تنوعاً لا مثيل له".
وهنا، تكمن المفارقة العلمية التي تسعى الجمعية لتصحيحها: كلّما ارتفعنا أكثر، وزادت قساوة المناخ، زاد الغنى النباتي النوعي.
النباتات المكتشفة
في جبل عروبــــة
Abies cilicica
Acantholimon ulicinum
Acer harmonium
Achillea arabica
Adiantum capillus-veneris
Agrostemma githago
Alkanna orientalis
Alkanna prasinophylla (EN)
Allium sp
Allium phanerantherum
Allium pseudocalyptratum (EN)
Allium pseudostamineum
Arenaria libanotica (EN)
Astragalus cruentiflorus
Astragalus kurnet-es-saudae (CR)
Ballota antilibanotica
Bolanthus hirsutus
Campanula cymbalaria
Campanula trichopoda
Campanula stricta subsp. Libanotica
Cedrus libani (VU)
Cephalaria balansae
Cercis siliquastrum
Chaerophyllum libanoticum
Cherleria rupestris (EN)
Clinopodium barbatum
Clinopodium libanoticum (EN)
Clinopodium vulgare
Centaurea drabifolia subsp. libanotica
Crepis foetida
Crepis libanotica
Crepis robertioides (EN)
Cynanchica stricta
Euphorbia erube
Astragalus kurnet-es-saudae
Alkanna prasinophylla
Allium pseudocalyptratum
Arenaria libanotica
Cherleria rupestris
Clinopodium libanoticum
Crepis robertioides
Helichrysum virgineum
Lathyrus libani
Scorzonera mackmeliana
Senecio mouterdei
Cedrus libani
Hypericum libanoticum
Leontodon libanoticus
Origanum libanoticum
Silene grisea
Abies cilicica
Salix libani

عمّيق واحة للهدوء والتجدّد
في أحضان البقاع الغربي
دانيال خياط

ثمّة بعدٌ آخر لزيارة عمّيق، وهو المساهمة بمشروع إعادة إحياء منطقة الشريط الغربي للبقاع الغربي وتنشيطها، بيئياً واقتصادياً واجتماعياً. فقبل 28 سنة، ما كانت "محميّة عمّيق الطبيعية"
تشبه ذاتها اليوم، كانت أرضاً استباحتها الجيوش المحتلة، الرعي الجائر، الاستغلال للثروتين المائية والزرعية. إلى أن قرّر آل سكاف، وهم أكبر المالكين، أن يعيدوا الروح إلى المنطقة المنكوبة، وفق رؤية لنظام اقتصادي متوازن ومستدام، ببرنامج بعيد الأمد، من منطلق أنها تركة يجب عليهم تمريرها للأجيال المقبلة، على ما يخبرنا ميشال سكاف راوياً قصة النهوض بعمّيق ومحيطها. فأغلقوا عمّيق قرابة 18 سنة، من عام 1997 لغاية 2015، ليتسنّى لها "تضميد جراحها".
وبالتعاون مع منظمة "آروشا" البريطانية، أعادوا ترميم النظام البيئي للمنطقة الرطبة لتستعيد مستنقعاتها، وبدأوا ببرنامج إعادة تشجير المنطقة الجبلية بمعدل 10 آلاف شجرة حرجية سنوياً، زرعوا ألف دونم من الأشجار المثمرة وألفاً أخرى غرسوها بالكروم لاستعادة الغطاء الأخضر.
يصعب اليوم تخيّل أن مطعم "طاولة عميّق" كان قبل عام 2007 مزرباً للماشية، ليضحي اليوم مبنى بهندسة بيئية جرى تنفيذه بالتعاون مع السفارة السويسرية، واستخدمت فيه تقنية "البئر الكندي" الذي يتيح نظام تدفئة وتبريد طبيعيين.
ثم تعاقدت "مصلحة سكاف-عمّيق" مع سلسلة مطاعم "الطاولة" الملائمة للمفهوم العام للسياحة في عمّيق، "البساطة بكلّ فخامتها"، وهكذا فإن الطعام والشراب المقدمين في المطعم من أجود المنتجات المحلية الطبيعية، تطهوه سيدات من المنطقة، الخدمة ذاتية، لا موسيقى ولا حفلات، بل استمتاع بالأجواء والأحاديث. تكامل مطعم عمّيق مع بدء السياحة البيئية بالمشي على دروب المنطقة الرطبة وفي الجبل. والجدير ذكره أن 50 في المئة من أرباح المطعم كما عائدات زيارة المنطقة الرطبة تذهب لتمويل مشاريع إعادة إحياء النطاق الحيوي لأرز الشوف الذي تشكّل عمّيق امتداداً له.
وفي السياق نفسه، أعادوا تدريجاً تنظيم أسس الزراعة في سهل عمّيق وفق معايير تراعي البيئة والصحة العامة، فتحوا المجال لتجارب ومبادرات زراعية جديدة وشبابية، فباتت منتجات عمّيق التي تُسقى من مياه النبع الخالية من أي تلوّث، مضرباً للمثل.
استطاعت "محميّة عمّيق الطبيعية" أن تفرض نفسها على الخريطة السياحية، مستقطبةً عشرات آلاف الزوار سنوياً، ممّن يرغبون في أن يعيشوا خبرة الاتحاد مع الطبيعة على سجيّتها، وإرساء بيئة تحتية جذبت للمنطقة استثمارات جديدة بقيمة مضافة، فيما حبل الخطط على الجرّار لمزيد من المشاريع. والسرّ بحسب ميشال سكاف: "العمل بهدوء وصبر، وفق خطة تراكمية".
في عمّيق لا تتعلم فقط كيف تسترخي بل أن تتجدّد أيضاً.
إن كنت ترغب في الانفصال عن ضوضاء الحياة اليومية والتخفّف من ضغوطها، فما عليك سوى قضاء يوم في عمّيق في البقاع الغربي، حيث البساطة الفخمة، هنا تعيش الطبيعة على سجيّتها ما بين الأراضي الرطبة والجبل.
محميّة عمّيق الطبيعية، هي من أهم الأراضي الرطبة في لبنان، وموطن لعشرات أنواع الطيور المقيمة والمهاجرة، وللجواميس المائية، وهي مقصد لممارسة هوايتي مراقبة الطيور والتصوير، ومن صبر نال.
توفر عمّيق متعة المشي على الدروب المحيطة بمستنقعاتها. ما عليك سوى أن تسير الى حيث يقودك الدرب، بهوادة، وتناغم تامّ مع المحيط، لتنفلش أمامك صفحات كتاب مفتوح على ذاتك وعلى غنى النظم البيئية من حولك. هي تجربة توقظ حواسّك كلها؛ بصرك يسرح بين المناظر ليأسره مشهد، سمعك ينضبط على إيقاع الحياة الريفية والبريّة، أنفك يتوسّع فتمتلئ رئتاك بالهواء النقيّ.
وكلما استرخيت أصبحت أكثر تنبّهاً لمحيطك، فتفاجئك الطبيعة بما ينتفض له قلبك... فرحاً، لتبلغ من الشفافية بحيث تشعر بأن النسيم يعبر من خلالك.
ركوب الدراجة الهوائية نشاط متوفر في حوش عمّيق، لاستكشاف المنطقة، فاقصد عمّيق البلدة، وعرّج على دير طحنيش المجاورة وزرْ كنيستها بجداريّاتها التي لا مثيل لها.
كل هذا النشاط في الهواء الطلق يفتح النفس، فإلى مطعم "طاولة عمّيق"، لترضي حاسّة التذوّق، بغنى النكهات من أشهى المأكولات والمشروبات المحلية، الموسمية، والبيتية بامتياز. بعد أن تأكل وتشرب ما لذّ وطاب، لا بدّ من الاسترخاء على مرجة المكان، فلا يعود الوقت يهمّ، سهل البقاع وقراه حديقتك وجبل حرمون وسلسلة جبال لبنان الشرقية السياج الذي تسند إليه نظرك. لا بدّ من تنبيهكم إلى أن "طاولة عمّيق" تحتاح إلى حجز مسبق.
اكتشفوا الوجه الآخر لغزير
هايكنغ بين أحضان الطبيعة والتراث
نضال مجدلاني

مررتُ بجلول زراعية قديمة، وبقايا بيوت حجرية عتيقة مثل "خربة الزايك" و"خربة كريم"، لكن هذه الأطلال لا تتحدث عن الخراب، بل تهمس بذكريات لأشخاص عاشوا يوماً بتناغم مع الأرض لا عليها فقط. ترافقكم الإشارات الخشبية الواضحة، وتوصلكم الجسور الخشبية المتقنة إلى مستويات مختلفة من المسارات.
بعد الجسر الخشبي الأول ببضع خطوات، تظهر أمامكم منحدرات صخرية عريضة وطويلة تنساب عليها المياه برفق نحو بركة في الأسفل، بينما يقف إلى جانبها جدار صخري مخطّط، طبقاتُه الأفقية تشكّل ذاكرةً جيولوجية صامتة لوادٍ كان يضجّ قديماً بمزيد من الماء والحياة. لافتةٌ تحذّر من عبور هذا السطح الجميل، فهو زلق، لكنّ المنظر حتى عن بُعد يأسر الروح ويدعو إلى التأمل بعظمة الطبيعة وماضيها الزاخر بالخيرات والعطاءات.
بالعودة إلى الجسر الأول، جذبتني الطريق لأتوغّل أكثر في الوادي، حيث علا صوت المياه المتدفقة. هنا نلتقي الحجر الجيري (الكلسي)- تارةً يكون ناعماً ويشكّل منحدرات طبيعية، وتارةً أخرى حاداً ومتعرّجاً كرواسب طبقات بحر قديم. تشعر بأنّ المكان حيّ وقديم وأبديّ في آنٍ واحد.
عند مفترقات الجسور الخشبية، يمكنكم اختيار دروب عديدة مثل "درب الشمّيس" أو "درب القلعة" وغيرها التي تؤدي صعوداً إلى الكفور. كل المسارات مميزة بعلامات وألوان واضحة ولوحات خشبية، وتفتح أمامكم أبواباً لمغامرات من الأفضل اختبارها برفقة دليلٍ محلي. المسار الأسهل متاحٌ، ومجهّز جيّداً، ومناسب للعائلات أو لهواة المشي بمفردهم ولكل من يبحث عن جمال الطبيعة من دون عناء التسلق والمغامرة.
في صورة التقطتها خلال جولتي، أجلس على حافة صخرية من الحجر الجيري قرب مجرى المياه، تحيط بي الصخور ذات الملمس الخشن، وأوراق الشجر المتناثرة، والطحالب المخملية، وأشجارٌ منحنية من فوقي كأنها حراس للمكان. إن كانت صورةٌ واحدة قادرةً على احتواء هذا الكمّ من الحياة، فتخيّلوا شعور الوقوف هناك، الاستماع لنبض الحياة، والتنفس بعمق في قلب هذه الجنة البكر.
غزير، من لا يعرف هذه البلدة الجميلة المتجذّرة في التراث والأصالة، من قرميد أسقفها الأحمر، إلى نوافذها المقوّسة، ومواقعها الدينية ومعالمها التراثية العديدة التي أعيد تأهيلها أخيراً؟ لكن، هل تعرفون الجانب البِكر لغزير؟
على بُعد 30 كلم فقط من بيروت، وفي قلب كسروان، يقع وادي غزير حيث افتُتح أخيراً "درب غزير"، الذي جُهّز بعناية لتوفير تجربة غامرة في الطبيعة والتراث. لا يمكن التحدث عن هذه التجربة من دون ذكر "غزير هايكنغ غروب"، المجموعة الشغوفة التي تقف خلف إعداد المسار والحفاظ عليه والعناية به. يظهر عملها في كل التفاصيل، من مدخل المسار الآمن نزولاً، إلى اللوحات الخشبية الإرشادية، والجسور التي صُمّمت لتنسجم بشكل جميل مع محيطها الطبيعي.
وممّا أثّر بي أيضاً كان لقائي صبايا الكشافة ودليلات لبنان – فوج سيدة الحبشية غزير – اللواتي كنّ يعملن بتوجيه المجموعة نفسها، ويغرسن لوحات خشبية يدوية الصنع على امتداد الدرب، كلّ واحدة منها محفورة بأسماء الأشجار المحلية، ما يُضيف بعداً تعليمياً للزوّار ويُعمّق علاقتهم بالأرض.
أثناء القيادة على طريق كفور-كسروان، لا يمكنكم أن تغفلوا عن اللوحة الإرشادية الكبيرة عند بداية الدرب على يسار الطريق التي توضح الإرشادات العامة وأرقام الاتصال بالأدلّاء المحليين ومعلومات المسارات والمسافات. أوقفوا سيّارتكم بأمان، اعبروا الطريق بحذر، ولا تنسوا التقاط صورة للّوحة والاتصال بالمسؤولين عن الدرب الذين يضمنون لكم تجربة غنيّة وفريدة. بمجرد النزول من المدخل المُعدّ بعناية، ستنتقلون إلى عالم آخر: تنوّع حرجي، أشجار تحجب الشمس في بعض زواياها، النهر على طول المسار يفيض بالحياة في الربيع، فيصدح صوته في أرجاء الوادي، بينما ترافق أصوات الطيور المشاة على مدار العام.
محمية حرج إهدن
بيئة متميزة بأشجارها ونباتاتها وطيورها النادرة
طوني فرنجية

النشاطات في المحمية متعدّدة على مدار أيام السنة، وأبرزها: المشي، تسلّق الجبال، مراقبة النجوم، التركُّن، المشي على الثلج، مراقبة الطيور، ركوب الدراجات الهوائية، القوس والنشاب، ركوب الخيل، الرسم، التصوير الفوتوغرافي، بالإضافة إلى نشاطات التوعية وإرشاد.
للمحمية دور اقتصادي-اجتماعي مهم، فهي تعرض المنتجات التي ينتجها أهالي المنطقة من الصناعات البيتية والزراعات المحلية وإنتاج العسل ومشتقاته، وتساهم في تصريف إنتاجهم، عبر بيعه للزوّار الذين يرتفع عددهم سنوياً؛ وهذا الأمر يعطي دافعاً أكبر للعمل والتطور في المجتمعات المجاورة، مما يعكس أهمية المحميّة في حياتهم اليومية ويزيد من الحفاظ عليها وتطويرها.
تشير كوسا إلى أن المراكز التابعة للمحمية هي صديقة للبيئة، إذ توجد محطات تكرير وتجهيزات لإنتاج الطاقة النظيفة فيما العمل جارٍ على فرز النفايات ومحاولة العمل مع المحيط. ولكن الأوضاع المالية تعوق أحياناً هذه المهمة. لكن المحمية تجهد دائماً لتكون القدوة الصالحة أمام المحيط، وتعمل على توعية المجتمع والتشجيع على الزراعة المستدامة.
محمية حرج تُعتبر من أهم المحميات في لبنان والشرق الأوسط من حيث التنوع البيولوجي فيها.
تقع محمية حرج إهدن الطبيعية على المنحدرات الشمالية الغربية لسلسلة جبال لبنان الغربية، ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 1200 و1900متر بمساحة حوالَي 1740 هكتاراً.
تحتوي على 39 نوعاً من الأشجار الحرجية، أهمّها الأرز ، الشوح، اللزاب ،القيقب، الصنوبر، السنديان والتفاح البريّ، و1058نوعاً من النباتات، منها 10 أنواع غير موجودة إلاّ في حرج إهدن (سوسن الأرز ، أسطر، أغالس إهدن…)، و78 نوعاً من النبات الطبي، و7 أنواع من السحلبيات، إضافة إلى 300 نوع من الفطريات والحشرات والفراشات والبرمائيات والثدييات، و156 نوعاً من الطيور، منها نسر البونيللي (زوجان منه في هذه المحمية من أصل 8 أزواج في العالم).
تدير المحمية لجنة يعيّنها وزير البيئة، وتضم متطوعين يشرفون على سير العمل فيها، إضافة إلى سعي القائمين عليها لخلق حالة من التفاعل الدائم مع المجتمع المحلي وإشراك الجوار في المشاريع والنشاطات على أكثر من مستوى.
مديرة المحمية حالياً هي المهندسة الزراعية ساندرا كوسا سابا، التي تنشط وفريق العمل في تطوير المحمية وتوسيعها عبر زرع غرس جديد كلّ عام في المحيط المجاور لها، وإنشاء غابات بتسميات متنوعة تعمّق إشراك الأهالي والمجتمع المدني في كلّ ما يسهم في استمرار الحياة فيها على مدار أيّام السنة، صيفاً وشتاء.
اكتشفوا حمّانا سيراً على الأقدام
من لامارتين إلى 2025 وبعد
شادي طنوس

لم تغب محطّة حمانا عن كتابه، إذ وثّقها بوصفه للقصر الحمّاني من الطراز القوطي، فقال: "قصر شيخ حمّانا يتفوّق في الأناقة والنعمة والسمو على كل ما رأيته من هذا النوع… ولا يمكن مقارنته إلّا بأحد أروع قصورنا القوطية في العصور الوسطى".
من "ساحة الميدان"، تصل إلى قصر آل مزهر من قلب الأزقّة القديمة وتقودك إلى باحته الخارجية الكبيرة فتستقبلك الأشجار والأزهار.
حاضنة الوجع
رسم لامارتين البلدة الهادئة وواديها، "من أجمل المناظر التي قدّمت لعين الإنسان لتتأمّلها في أعمال الله... تتجلّى بين الأشجار الأنيقة أشعة نور الصباح وهي تتراقص وتتلألأ…"، فكان هواؤها البلسم لتعبِه. حاول خلال رحلته تضميد جرح فقدان ابنته الوحيدة جوليا التي خطفها مرض السل. وقال في كتابه: "لقد رأيت نابولي... ولكن وادي حمّانا يمحو كل تلك الذكريات. ضخامة الصخور، وانفتاح الأفق، ورقّة الأشجار... كل شيء في هذا المكان يحرّك الروح ويغمرها بجلال أعمال الله."
فيها، أفرغ لامارتين حزنه مخاطباً جوليا: "لو كنت سأدفن قلبي في مكان ما، فسيكون هنا، بين هذه الصخور وتحت ظلال هذه الأشجار، بقرب هذه الجداول... لأن الطبيعة وحدها قادرة على تهدئة الألم الناتج من فقدان من نحبّ."
قصّة لامارتين واحدة من قصص حمّانا المشوّقة. بيوتها القديمة، قصورها، شوارعها، كنائسها ومسجدها، مدارسها، أرزها وكرَزها، وكرم أهلها. وجهة سياحية بامتياز تعكس صورة لبنان، تنوّعه وتاريخه. وتقول أبي خليل في هذا السياق: "كل خطوة في حمّانا تقودك إلى التاريخ"، مضيفة: "رُسمت حمّانا بطوائفها، فكانت لوحة بألوان متناسقة".
لمحبّي الرياضة، لا بد من اكتشاف هذه البلدة الريفية سيراً على الأقدام في واديها وامتداده إلى القرى المجاورة. تسيرون "على خطى لامارتين"، تتفقّدون صخرته بين بلدتي حمّانا وفالوغا، حيث كانت أفكاره تتدفق بجانب شلال الشاغور. ولمحبّي الثقافة أيضاً، فحمّانا تحتضن حركة ثقافية مميّزة، وشكّلت مرحلة لامارتين حتى اليوم، وفق أبي خليل، جزءاً من هذه الحركة أغنت أبناء البلدة بالعلم والتاريخ وتعرفّوا من خلالها إلى زائرهم الفرنسي.
لم ينسَ لامارتين لبنان، "هو هذا الجبل الذي يتكلّم فيه الإنسان مع الله، لأنّه أقرب إلى السماء من الأرض". زوروا حمّانا وتعرّفوا إليها لعلّها تكون الدواء والسلام لكثيرين...
"ما في أحلى من لبنان". هذا جواب عن سؤال يتردّد مع كل كارثة أو أزمة، فبلد الـ10452 كلم² خنقته المشاكل وجعلت من أيّام استقراره حدثاً استثنائياً. وعلى قاعدة "الله ما بيترك حدا"، لم يترك لبنان وجعَل منه مثالاً للجمال. حفظت صفحات التاريخ ما مرّ به فكانت بعلبك وصيدا وصور وجبيل وعنجر ووادي قاديشا...
بلدة تحتضنها محافظة جبل لبنان، تبعد عن بيروت نحو 30 كلم، لم تكن تدري أن زائرها عام 1833 سيبقى حيّاً بين بيوتها وأزقّتها. وبين من يرجع اسمها إلى إله الشمس الفينيقي "حمّون" أو "حمّان" مروراً بشتائها البارد وصيفها المعتدل، أعطت حمّانا الكاتب والشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين "تنفّساً طبيعياً" فكانت الملجأ الروحي والأدبي.
في حديث لـ"النهار"، أوضحت أستاذة التاريخ جينان أبي خليل أن هذا الاسم أكّده وجود آثار فينيقية في البلدة التي كانت محطّة تربط جبل لبنان بالبقاع وسوريا.
وادي لامارتين وصخرته والقصر ثوابت لم تتغيّر من الزيارة إلى اليوم. حمّانا، البلدة الجبلية، وجهة سياحية استثنائية. فصل من التاريخ نابض فيها. بين من لم يسمع بها ومن لم يكتشفها، "هي من أعمال الله". هكذا خلّدها الكاتب الفرنسي...
قصّة لامارتين
وثّق لامارتين (1790–1869) لبنان في رحلته الطويلة إلى الشرق في كتابه "Voyage en Orient" أو "رحلة إلى الشرق" عام 1835. وصل إلى جبل لبنان في شهر آذار/مارس وتوقّف في عدد من بلداته.
في حمّانا، حلّ لامارتين ضيفاً في قصر المقدّمين من آل مزهر الذي كان مقرّاً للوجيه المقدّم صارم الدين مزهر آنذاك. وتؤكّد أبي خليل وجود لوحة تذكارية تخلّد الزيارة وضعت عام 1941.
كنز طبيعي وثقافي
محمية جبل موسى في كسروان مكان مثالي للمغامرة والاستكشاف
غوى خيرالله

ويقول مدير السياحة البيئية في محمية جبل موسى إيلي خليل لـ"النهار": "يتميز جبل موسى بتنوع بيولوجي كبير... حيث هناك نحو 727 نوعاً من النباتات والأزهار، من ضمنها 6 أنواع موجودة فقط في الجبل، ولا نجدها في أي مكان آخر في العالم. يوجد أيضاً 20 نوعاً من الحيوانات البرية، ونحو 33 نوعاً من الأشجار".
وتابع: "ما يميز جبل موسى، بالإضافة إلى التنوع، هو كمية الآثار أو الإرث الثقافي الغنيّ، الذي يعود أقدمه إلى العصر الحجريّ أو عصور ما قبل التاريخ".
وأفاد خليل بأنه عُثر على "حجارة صوّانية في منطقة عالية جداً في الجبل، استعملها الإنسان في العصر الحجري للصيد وإشعال النار، مروراً بالحقبة الرومانية التي تكثر آثارها في الجبل، ومن ضمنها الدرج الروماني؛ وهو عبارة عن حوالي كيلومتر ونصف من الأدراج الرومانية التي لا تزال على شكلها. وهي كانت جزءاً من طريق أطول بكثير كانت تربط ساحل لبنان ببعلبك".
وأضاف: "قبل العصر الروماني، استطعنا أن نجد من خلال الأبحاث آثاراً يعود تاريخها إلى العصر البرونزي الوسيط، (1,500 إلى 2,000 سنة قبل المسيح)، وكان الكنعانيون يعيشون خلال تلك الفترة في المنطقة".
وقال خليل لـ"النهار": "بعد العصور الرومانية، هناك الكثير من الآثار التي تعود إلى الحقبة العثمانية أيضاً، وأهمها البيوت القديمة الموجودة بوفرة في الجبل. ويعود تاريخها إلى 250 سنة، واستمرّت مأهولة حتى منتصف القرن العشرين".
إن محمية جبل موسى ليست فقط مساحة خضراء، بل هي شهادة حيّة على غنى لبنان الطبيعي وتنوعه الثقافي، وتُعدّ وجهة مثاليّة للهرب من صخب الحياة اليومية والعودة إلى أحضان الطبيعة. تتحوّل كل خطوة على دروب محمية جبل موسى إلى لحظة تأمل واكتشاف. هي أكثر من وجهة سياحية، بل دعوة مفتوحة للتمتع بسحر الطبيعة، حيث الصفاء والنقاء. لمن يبحث عن تجربة غنية بالرياضة والجمال، يبقى جبل موسى الخيار الأمثل على مدار الفصول.
وسط جبال كسروان الشاهقة، تمتد محمية جبل موسى كلوحة طبيعية ساحرة، تغمر زوارها بهدوء الغابات وعذوبة النسيم. بتضاريسها المتنوعة ومناظرها الخلابة تُشكّل وجهة مثالية لهواة رياضة المشي والسباحة، ومحبي الاستكشاف، والباحثين عن لحظات من السكون والجمال في حضن الطبيعة اللبنانية.
تُعتبر محمية جبل موسى في قضاء كسروان واحدة من أبرز المحميات الطبيعية في لبنان، وهي تقع ضمن منطقة حرجية جبلية تمتد على أكثر من 6.000 هكتار، وتعلو ما بين 350 و1700 متر عن سطح البحر. صنّفت هذه المحمية كمحيط حيوي من قبل منظمة اليونسكو منذ عام 2009.
يقول مدير الاتصالات في محمية جبل موسى، مارك عطالله، لـ"النهار" إن لمحمية جبل موسى 4 مداخل، وفي المحمية 15 مساراً للمشي، وتضم 7 ضيع، وهي يحشوش وشوّان والعبره وغبالة ونهر الذهب والمشاتي وقمهز.
ويضيف: "يمكن للزوار أن يمارسوا نشاطات عديدة أهمها رياضة المشي أو الهايكينغ، كما يمكنهم تناول الغداء في بيوت ضيافة موجودة في الضيع. ويمكنهم أن يقوموا بنشاطات ثقافية كمشاهدة زجل لأدونيس وعشتروت وتعلم الدبكة ومشاهدة طريقة صنع الكركة".
وأكد أن "ما يميز المحمية عن بقية المحميات هو أن الجميع يمكنه ممارسة المشي؛ فالمتسلقون المحترفون يمكنهم التمتع بالمسارات الصعبة والوعرة والمشي لأكثر من 10 ساعات، فيما يمكن للزائر غير المحترف ممارسة رياضة المشي للتسلية واكتشاف الطبيعة. وتبقى السباحة خياراً أساسياً للزوار في رحاب بحيرة شوان الجميلة والنقيّة".
وبحيرة شوان عبارة عن أيقونة جمال طبيعية، حيث يقصدها العالم من جميع أنحاء لبنان والاغتراب للتمتع بطبيعتها الخلابة ومياهها النقية.
إضافة إلى جماله الطبيعي، يضم جبل موسى تنوعًا بيولوجيًا غنيًا. وتشتهر المحمية بالغابات، وتُعدّ ملاذًا للطيور المهاجرة، مما يجعلها وجهة مفضّلة لمحبي الطبيعة. كذلك، يتمتع جبل موسى بقيمة ثقافية وتاريخية، إذ يحتوي على آثار ونقوش صخرية تعود إلى العصور الرومانية، إضافة إلى أديرة وممرات قديمة تُشير إلى تاريخ طويل من التفاعل بين الإنسان والطبيعة.
محميات طبيعية
تستحق الزيـــارة

محمية أرز الشوف
من أكبر المحميات طبيعية في لبنان، تحتضن غابات الأرز المهيبة وتقدّم مسارات مشي طويلة. مكان مثالي للمشي، مراقبة الطيور، والانغماس في تراث الجبل

محمية عميق
البقاع الغربي
بيئة رطبة نادرة في لبنان، موطن لأكثر من 250 نوعاً من الطيور، بينها طيور مهاجرة. يمكن التنقل فيها سيراً أو بالدراجات الهوائية وسط الحقول والمياه.

محمية جبل موسى
كسروان–جبيل
موقع بيئي وثقافي غني، مع أكثر من 700 نوع نباتي وحيواني. يضمّ مسارات مشي، مواقع أثرية، وإطلالات مذهلة على المتوسط

وادي لامارتين
غزير – كسروان
مكان شاعري كان مصدر إلهام للشاعر الفرنسي لامارتين. دروبه تمر بين الينابيع والغابات، وتوفّر تجربة تأملية وهادئة في قلب الطبيعة

محمية تنورين الطبيعية
تشتهر بأشجار العرعر والصنوبر، وتضمّ مسارات جبلية وعرة مناسبة لمحبي التحدّي والمغامرة.

جبل عروبة
عكار
موقع غير معروف على نطاق واسع، غنيّ بالنباتات البرية، خاصة في الربيع، ويُعد محطة مثالية لعشاق التصوير البيئي.

محمية حرج إهدن
شمال لبنان
غابة فريدة من نوعها على ارتفاع عالٍ، تحتوي تنوعاً بيولوجياً نادراً وتشكل ملاذاً لمحبي المشي في الظل والهدوء.
