حين يهبط المساء على لبنان، تتبدّل ملامح الطبيعة وتتحوّل اللحظة إلى مشهدٍ يشبه الحلم. تتهادى الشمس نحو الأفق ببطء، تاركة خلفها خيوطًا من ذهب تمتزج بزرقة البحر وصفاء السماء وكأن النهار يودّع المكان بودّ نادر. تلوّن الغيوم بحمرةٍ خافتة

الـ Sunset
اللبنانـــي
فرح نصور
من لحظة طبيعية إلى طقس احتفالي من البحر إلى الجبل

طبيعته المتنوّعة جبلاً وبحراً
حوّلت مغيب الشمس في لبنان من ظاهرة طبيعية عادية، إلى تجربة سياحية تصل حدّ الاحتفالية. وبات الـ"sunset" في لبنان مشروعاً قائمة على جدول السيّاح والمقيمين ومحطة لا يمكن تغافلها في زيارتك للبنان، وبتنا نستخدم جملة "تروحو سانست؟" كمشروع ترفيهي قائم بحد ذاته.

في الزعرور وفي واحد من أكثر أماكن السانست شهرة في لبنان، توزّع روّاد هذه الاحتفالية، بين لبنانيين مقيمين وسياح. وصلت بتول، سائحة كويتية، في ذلك اليوم إلى مطار رفيق الحريري الدولي. ووضعت أمتعتها في الفندق، وكانت أول محطة لها في جدولها السياحي مشهد السانست في لبنان، وفق ما تؤكد لـ"النهار". هذه أول زيارة لها للبنان، وقد اعتادت أن تقوم بتجربة السانست في كل بلد تزوره، و"رحلتي الأخيرة كانت إلى اليونان وكان مغيب الشمس من ميكونوس، لكن بعد رؤية مغيب الشمس في لبنان، أراه رائعاً وأجمل من ميكونوس". كانت بتول منذ وصولها قد ثبّتت هاتفها لالتقاط مشهد غروب الشمس ووضعت الكاميرا على خاصية الـtime lapse، لتوثيق التجربة كاملة.


شابة تونسية صادفناها في المكان أيضاً، تقول إنّها عشقت غروب الشمس في لبنان بأجوائه المليئة بالهدوء والاسترخاء والـchill. أمّا جان، لبناني مقيم، فقد أتى مع زوجته وبناته المراهقات. جلسوا إلى طاولة عالية وبدأوا بالحديث والضحك وتناول "النقرشات" والمشروبات. تقول زوجته إنّها من عشاق تجربة السانست، و"هو من الأوقات المحبّبة لديّ، ليس باكراً في منتصف اليوم ولا متأخراً ليلاً، وقد جرّبته في أماكن مختلفة في لبنان".

مشاريع مبتكرة
كانت كريست طنوس مع زوجها وأصدقائهما، يقصدون الجبال العالية متزودين بأطعمتهم ومشروباتهم، ليستمتعوا بغروب الشمس وسط الطبيعة ويحظوا بجوّ استرخاء وهدوء. "من حوالي سبع سنوات، لم يكن غروب الشمس منتشراً على شكل أماكن توفر هذه الخدمة، لذا فكرنا بإنشاء هذا المكان"، تقول كريست لـ"النهار". وأصبح غروب الشمس في لبنان فكرة مشروع بحد بذاته، وباتت كل مساحة طبيعية جميلة تطلّ على المغيب، نقطة قابلة لأن تكون مكاناً لهذا المشروع. .مدوّنو السياحة يوثقون تجاربهم عند الغروب، وشكّل هذا الأمر عاملاً إضافياً لجذب السياح إلى هذه المناطق على مساحة لبنان، ليصبح "السانست" محطة جذب، وفق كريست. ومعظم الناس، ولا سيما صيفاً، يفضّلون مشاهدة غروب الشمس جبلاً أكثر من الساحل، تقول كريست، هرباً من الطقس الحار على الساحل. ففي جبيل مثلاً، حيث يقع مشروع كريست، تنخفض درجة الحرارة 10 درجات حتى في أشهر تموز وآب، في نقطه جبلية تبعد 10 دقائق فقط عن أوتوستراد جبيل. والسياح الأوروبيون هم الأكثر اتجاهاً نحو "السانست" في الجبال إلى جانب المقيمين اللبنانيين طبعاً والسياح العرب


من مشهد غروب
إلى احتفالية...
تتخذ أماكن غروب الشمس في لبنان أشكالاً عديدة وأنماطاً مختلفة. فطبيعة لبنان المتنوعة شكّلت العامل الأساسي في تنوّع أشكاله من الساحل إلى الجبال، مروراً بأسطح الأبنية أو ما يُعرف بالـRooftops. أمّا أنماط هذه الأماكن، فتختلف ما بين أماكن هادئة توفر جواً من الاسترخاء والانفصال عن المحيط الصاخب وضوضاء المدينة، وأخرى تضج بالأجواء النابضة بالحياة وبالموسيقى القوية، حيث يستقبل المكان DJ يشعل الأجواء، وقد ينتهي "السانست" عند غروب الشمس، أو تبدأ سهرة ليلية مع غروب الشمس. ففي منطقة الزعرور، حيث كنّا، تمتدّ احتفالية غروب الشمس حتى منتصف الليل، بأجواء صاخبة ومرحة، كل يوم أربعاء، وأحياناً، يستقدمون DJ أجانب معروفين لخلق سهرات استثنائية. وفي مكان آخر في منطقه إهدن، استقدم القيّمون أكشاك Street food، لتقديم المأكولات السريعة والطازجة مثل الشاورما، في خطوة لإكمال احتفالية "السانست"، وإضافة لمسة مميزة عن أماكن الغروب الأخرى.

نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري، خالد نزهة، يؤكد في حديثه لـ"النهار"، أنّ مشاريع "السانست" في لبنان تؤكد المضي في خلق خدمات سياحية بشكل متواصل، لجعل تجربة السائح في لبنان تجربة غنية. ويستفيد صاحب المشاريع السياحية من وجود مطعمه أو مقهاه مثلاً في موقع جغرافي مميز للغروب، لتشغيله في وقت من اليوم كان يُعتبر ميتاً في السابق. هذا الأمر، جعل لبنان أكثر وجهة سياحية جذباً لرؤية غروب الشمس على مستوى الشرق الاوسط حتى، فهذه الظاهرة تتعدى ظاهرة الترفيه، فهي تجربة طبيعية وثقافية ومجتمعية، تجعل من جدول السائح جدولاً ممتلئاً في جميع أوقات اليوم، وبات السانست في لبنان محطة مكمّلة لتجربة السهر الفريدة أيضاً.

بيروت وجهة عالمية للسهر..
غروبٌ وحفلاتٌ وأكثر
فرح نصور
في لبنان، لا ينتهي النهار عند الغروب، بل يبدأ فصلٌ آخر من الحكاية. من المقاهي الجبلية التي تحتفي بألوان المغيب، إلى الحانات الساحلية التي تُطلق موسيقى الليل مع أول نجمة. تكتمل التجربة اللبنانية بمشهد الغروب وحفلات السهر وشروق الشمس. إنها ظاهرة ثقافية وسياحية لا تشبه سواها، حيث يتحوّل الجبل إلى منصة مشاهدة، والساحل إلى مسرح مفتوح، وتتحوّل بيروت إلى وجهة عالمية لعشّاق الحياة الليلية

لطالما كانت السهرات في لبنان تقوم على الـDJ، كجوّ في السهرة لا كبرنامج موقّع باسم الـDJ . لكن الاتجاه بالشكل الذي نراه اليوم، هو اتجاه جديد نتج من زيادة المنافسة بين أماكن السهر العديدة، وفق غانم. وأصبحت هذه المؤسسات تعتمد على "دي جي" بارع يتمتع بشعبية واسعة لجذب الزبائن.
ملهاه يعرف رواجاً واسعاً في الأجواء الليلية الغربية في المدينة، لناحية التجربة الفريدة التي يوفّرها، إلى جانب تنويع برامج الليالي لديه. ويواكب غانم أذواق الناس التي تتغيّر، "إن كان الناس يرغبون في أجواء أغاني الثمانينيات مثلاً أو أجواء الأغاني الفرنسية... أمّا اليوم، فيميلون إلى موسيقى الهاوس الأفريقية مثلاً". لذا، يرى غانم ضرورة تنويع أجواء الموسيقى لديه وتخصيص كل ليلة بسهرة موسيقية من اتجاه موسيقي أو ذوق معيّن. وأدرج يوماً في الأسبوع حتى للموسيقى العربية، وآخر للبوب Reggaeton، وللـCommercial.
"بداية موسم الصيف لعام 2025 كانت جيّدة، وقد شهدنا حضور جنسيات عربية، ولا سيما منها خليجية إلى جانب مغتربين لبنانيين. الحجوزات تمتلئ حالياً الى ما بعد شهر، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع"، يقول غانم. حتى في أيام الأسبوع، الحجوزات تصل إلى 60 في المئة.
DJs عالميون
وحفلات حتى شروق الشمس
فرح نصور
بيروت وجهة سهر عالمية رغم ما مرّ ويمرّ به لبنان. للسهر في بيروت نكهة خاصة. تجد فيها كل أنواع السهرات العربية والغربية، الخفيفة التي يجتمع فيها الناس على كأس مشروب، أو الاحتفالية القائمة على برنامج موسيقي وترفيهي يمتدّ حتى ساعات الفجر الأولى.
الأمر لا ينتهي هنا، فبيروت لا تنام. نعم لا تنام. تستكمل سهراتها في سهرات شروق الشمس، التي باتت تحظى بشعبية واسعة لا تقلّ عن أيّ سهرة ليلية.
إحدى السهرات "الترند" التي تغزو لبنان، هي السهرات التي "يولّعها" DJ أجنبي. ظاهرة وجدت طريقها إلى ليالي بيروت، خصوصاً لدى الجيل الشابGen Z .
يلتزم أحد الملاهي المعروفة في بيروت نمطاً غربياً من السهر مستقدماً DJs دوليين ومحليين يلعبون الموسيقى في السهرات، فـ"الناس يرغبون دائماً في عيش تجارب جديدة، وهذا الاتجاه هو اتجاه حديث في عالم السهر عالمياً حتى"، هذا ما يؤكده سليم غانم صاحب الملهى لـ"النهار".
الترفيه
السهر على وقع الأنغام العربية هنا هو احتفال. وقد برزت معالم السهرات هذه في برامج سهرات حافلة في ملاهٍ مفتوحة خُصّصت لهذا النوع من السهرات في واجهة بيروت البحرية بشكل لافت. وباتت علامة فارقة في السهر في بيروت.
تتميّز هذه الأماكن ببرامج سهرات حديثة في عالم السهر في الخارج، لاقت رواجاً كبيراً في لبنان. لم يعد يقتصر السهر على مغنٍّ أو DJ يلعب الموسيقى. السهرات أشبه بمهرجانات واحتفالات تتخلّلها عروض راقصة وغنائية بأشكال متعددة إلى جانب الألعاب النارية في سماء بيروت.
نجوم من الصف الأول والثاني يغنون في هذه الملاهي الليلية. ولكل سهرة برنامج ويوم محدَّد في الأسبوع تحت أسماء علقت بأذهان رواد السهر. نتحدث هنا عن أجواء ترفيهية وليست غنائية أو راقصة فحسب، كعروض بهلوانية من فرق أجنبية. وربما كان هذا عاملاً من العوامل التي تجعل من السهر في بيروت تجربة مختلفة.
كريم محمدية، صاحب شركة 7Management، الرائدة في عالم الحياة الليلية، يشرح لـ"النهار" أنّ فكرة الـproper club أي الملهى الليلي القائم فقط على موسيقى DJ، تراجعت عالمياً، حتى في أهم وجهات السهر العالمية، لمصلحة الملاهي التي تقدّم العروض الترفيهية.
أدخلت الشركة هذا النوع من السهرات مع التعديل عليها بشكل يتناسب مع الذوق اللبناني. وعزّز هذا النوع من السهرات، برأي محمدية، من مكانة بيروت كوجهة سهر ليلية على مستوى العالم العربي، و"نحن كلبنانيين دائماً ما نترك بصمة، خصوصاً في عالم السياحة، واستطعنا أن ندرج ترندات في سهراتنا صارت عالمية".
وفي رأي محمدية، "لا تزال بيروت تؤثر في كثير من وجهات السهر حتى العالمية منها، في ما يتعلق بالابتكارات والتجديد في هذا العالم"، بدليل أنّ الشركة وسّعت أعمالها في دول غير لبنان في العالم العربي وأوروبا.
وبحسب محمدية، "السيّاح اشتاقوا إلى لبنان بعد غيبة طويلة، لا تزال بيروت وجهة سياحية عالمية للسهر رغم كل الأزمات التي مرّت وتمرّ بها، وهي في أذهان الناس حتى ممّن لم يزوروها، وهذا ما نسمعه من أشخاص غربيين يتوقون لزيارة لبنان".
وشهدت الملاهي اللبنانية كثافة حجوزات من سياح، لا سيما الخليجيين منهم خلال مدة قياسية في فترة عيد الأضحى الفائت.
ما يميّز بيروت عن باقي وجهات السياحة والسهر هو "الروح"، بحسب محمدية. في لبنان يشعر السائح بأنّه بين أهله، وهذا نتيجة روح الشعب اللبناني الذي يبثها في بلده والأماكن التي يوجد فيها، من استقبال حارّ وجوّ مليء بالألفة. فبلدنا عريق وشعبه مرح يحبّ الحياة، وهذا كله ينعكس على زوّاره.

شروق شمس ساهر
غالباً ما تُشير فعاليات شروق الشمس الموسيقية في بيروت إلى مشهد الحياة الليلية النابض بالحياة في المدينة، وخاصةً الحفلات التي تمتدّ حتى ساعات الصباح الباكر، وأحياناً حتى شروق الشمس. يُقدم شروق الشمس في بيروت تجربة موسيقية جديدة وفريدة من نوعها، بمشاركة أفضل منسّقي
موسيقى التكنو والديب هاوس
هذه السهرات هي حصراً للأجواء الغربية. تفتح أبواب هذه الملاهي عند العاشرة مساءً، بموسيقى خفيفة. تبدأ الأجواء الصاخبة عند الثانية فجراً وتبقى الأجواء "ولعانة" حتى السابعة أو الثامنة صباحاً. بدأت هذه الظاهرة تنتشر في مناطق عدة في الأماكن المفتوحة، وخصوصاً في واجهة بيروت البحرية، حيث تُقام كُبرى هذه الحفلات، للتمكن من تجربة السهر مع شروق الشمس. وتتسم موسيقى هذه السهرات بالتكنو والـDeep house، بالتعاون مع DJs مشهورين. على سبيل المثال، تزامناً مع اقتراب موعد حفل شروق شمس ضخم في بيروت في آخر الشهر الجاري، مع DJs عالميين، تهافت الجيل الشاب على حجز تذاكرهم فيه قبل أشهر من موعده.

أبرز أماكن الاستمتاع
بغروب الشمس في لبنان













